U3F1ZWV6ZTE2MzY5NTM1MTAzNzQ3X0ZyZWUxMDMyNzMxODIzMTA5MA==

كورونا والإقتصاد - موجات من الإنهيار والإزدهار

فيروس كورونا والإقتصاد

 موجات من الإنهيار والإزدهاربعيدا عن النظرة الطبية للأمر، وبعديا عن ما إذا كان وباء كورونا جائحة يعية أم صُنعا إنسانيا، فإنه لا يشكل ضررا مطلقا أو نفعا مطلقا، بل مزيجا من الكفتين وإن كان ضرره أكبر من نفعه.
إذ أننا لو دققنا في الأمر من منظور إقتصادي بحت، فيعتبر ذلك الوباء عدوا لأطراف وحليفا لأطراف أخرى.
فما الأثر الذي قد يُحدثه كورونا بإقتصاديات وحكومات الأمم في الأجل الطويل ؟
في البداية، مهد كورونا هو الصين، أرض الأوبئة كما قال عنها الأقدمون، وذلك يعني الكثير.
كورونا

كورونا هو الصين

إذ أن الصين الآن هي مصنع العالم، وهي الأرض الموعودة للنظام الرأسمالي، لأن أكثر الشركات العالمية قد نقلت فروعها ومصانعها إليها لرخص عِمالتها ومرونة اللوائح التنظيمية بها في تحصيل الضرائب وتسهيل سبل الإستثمار فيها، كما أنها سوق إستهلاكي ضخم جدا.
وعندما تفشى كورونا بها، قام أصحاب تلك الشركات على الفور بطرح كل أسهمهم وحصص ملكيتهم في أسواق المال ( البورصة ) راغبين ببيعها، ثم قاموا بسحب ودائعهم من البنوك الصينية، فبدأت موجة هروب رؤوس الأموال الأجنبية خارج الصين عبر متاهات مجهولة داخل المصارف الدولية.
ولكن أسهم تلك الشركات كثيرة جدا، فمع كثرة المعروض منها هبطت أسعارها بشكل حاد، وإنخفضت القيمة السوقية لتلك الشركات مسببة خسائر فادحة لأصحابها.
وذلك ما سمعته في نشرات الأخبار عن خسائر ضخمة في البورصة الصينية تقدر بمئات المليارات.
ثم بدأ فرض الحجر الصحي لمدن بأكملها داخل الصين، وإتخاذ مبان ضخمة لبعض الشركات كمستشفيات، وهو ما يعوق بالضرورة حركة الصناعة والتجارة الداخلية، مما يؤدي بالتبعية الي إنخفاض معدلات الإستهلاك للمنتجات الصينية.
ومع تفشي الوباء خارج الصين، بدأت الدول المجاورة لها بإغلاق معابرها وحدودها معها وإيقاف الرحلات الجوية منها وإليها، ثم تطور الأمر لقيام الدول بفرض عزلة على نفسها كما فعلوا مع الصين، وذلك يعني شلل تام لحركة الإستيراد والتصدير مهددة بذلك حلم التجارة الحرة الذي يلهث وراءه زعماء الرأسمالية لإبتلاع الشركات الوطنية الناشئة في بلاد العالم عبر شركاتهم الكبرى ومن ورائهم البنوك الدولية.
وعلى إثر توقف حركة التجارة الدولية والسفر بين الدول، تنخفض إيرادات شركات الطيران والشحن البحري والجوي، فينخفض أسعار أسهم تلك الشركات وتتدهور قيمتها السوقية.

شركات الإستيراد والتصديرتنهار بسبب فيروس كورونا 

ومع توقف حركة الإستيراد والتصدير، تتراكم منتجات الدول المصدرة في مخازن شركاتها، فلا يجدون من يُقبل عليها إلا المستهلكون المحليون فقط على قدر حاجتهم،
ثم بعد حين تبدأ الشركات بإيقاف أكثر خطوط إنتاجها، ثم يتبع ذلك تسريح قدر كبير من العاملين والموظفين، فلا يُتاح لهم دخل يكفيهم لسد حاجاتهم، فيستغنون عن كثير منها ويبتاعون فقط ضروريات الحياة، فينفخض معدل الإستهلاك، ثم يلجأؤون لسحب ما لديهم من ودائعهم البنكية لسد عجزهم في الإستهلاك، فيقل مخزون البنوك من الودائع فيرتفع سعر الفائدة على القروض، ثم يقل إقبال رجال الأعمال والمستثمرين على طلب القروض، فيتبع ذلك إيقاف مزيدا من خطوط الإنتاج بل وإغلاق بعض الشركات لأبوابها وتوقف مزيدا من الصناعات وتسريح مزيدا من العاملين، فترتفع معدلات البطالة ويقل الناتج القومي الإجمالي لكل دولة، فيتسلل شبح الكساد الي الصناعة والتجارة رويدا رويدا.
وعلى إثر ذلك، ينخفض عائد الحكومات من رسوم الجمارك والتأمينات والضرائب، ومع توقف السفر بين الدول، تتدهور حركة السياحة، فيقل الدخل القومي لتلك الدول من السياحة أيضا، وذلك أمر كارثي على الأمم التي يرهقها عبء الديون، فلا تجد ما تسد به أقساط الديون وفوائدها، وتصبح تلك الدول مهددة بالعجز عن السداد وإعلان الإفلاس، وذلك أول الغيث لإنهيار الحكومات الإستبدادية.

ازدهار شركات الأدوية في أزمة كورونا 

لكن على الجانب الآخر تقوم شركات الأدوية بنشاط غير مسبوق في مثل تلك الأزمات، إذ تقوم بضخ ملايين الدولارات في إجراء أبحاث لتطوير أمصال مضادة لذلك الوباء، وذلك الأمر عادة يستغرق مدة بين 8 أشهر حتى 18 شهر. وإذا تم صنع المصل المضاد تزامنا مع تفشي الوباء، ستجني تلك الشركات مليارات الدولارات.
وفي ظل تراجع فرص الإستثمار الآمنة، يلجأ صغار المستثمرين والمدخرين الي تكديس ودائعهم في البنوك، ولكن مع قلة الإقبال على الإقتراض تنخفض أسعار الفائدة على الودائع، فيتجه الناس الي سحب ودائعهم والإلتجاء الي الملاذ الآمن " شراء الذهب ".

الصين كسوق عالمي بين الإنهيار والإزدهار 

وفي ظل انحسار دور الصين كمصنع عالمي وإنتشار سمعة سيئة عن ثقافتها الغذائية، ستبدأ الشركات العالمية في هجر الصين والبحث عن بديل لها، مما يأخذ الصين سنوات الي الوراء بعيدا عن النهضة المرجوة ويجعل مصيرها في التعافي قريبا أمرا إعجازيا.
وفي ظل زيادة عزلة الدول وغياب منافسة الشركات الدولية، يبدأ المستثمرون والمنتجون المحليون يتنفسون الصعداء ويتشجعون لوضع قدم لهم في الأسواق الداخلية، فتنشط الصناعة المحلية على إستحياء وحذر من التقلبات السريعة للسوق.
تلك التوقعات والتحليلات قد تخطيء في حال زوال الوباء قريبا، وقد تصيب إعتمادا على أمرين، أولهما هو إفتراض تفشي وباء كورونا الي مستويات حرجة يصعب معها السيطرة عليه بسهولة وتطور الفيروس نفسه الي نمط أكثر فتكا بالبشر.
وثانيهما هو أن سجل تاريخ الأوبئة حافل بما يُوعظ به أولوا الألباب، فقط مر على البشرية أوبئة فتكت بالكثير منهم، أقربهم إلينا ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1918 بظهور وباء الأنفلونزا الأسبانية في الأشهر الأولى القليلة كوباء غير مقلق، سرعان ما تطور في الأشهر التالية الي شبح مخيف حاصد لأرواح تُقدر بين 50 إلي 100 مليون إنسان.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

رائع

الاسمبريد إلكترونيرسالة